قرأت تصريحاً لوزيرة الإعلام د. درية شرف الدين تبرر فيه أوامرها بحذف صور مبارك من فيديو رفع العلم بعد استرداد سيناء وحذف صوره ومشاهده من الحفلات التى حضرها بمناسبة هذا الحدث العظيم. قالت د. درية إنها فعلت ذلك خوفاً من رد فعل المشاهدين وحتى لا تثير غضبهم! لا يصح يا معالى الوزيرة أن يقال هذا الكلام على لسان من تدير أخطر وزارة فى مصر منوط بها تشكيل العقل المصرى، هذا العقل الذى من أولى لبنات بنائه احترام التاريخ وتشكيل الذاكرة التاريخية ومقاومة ألزهايمر الأحداث التاريخية. حقاً لقد خلع الشعب المصرى مبارك من الحكم وأسقطه من منصب الرئيس وطرده من القصر، لكن لا يعنى هذا أن الشعب مهما فعل سيخلعه من التاريخ أو سيُسقطه من كتب التاريخ أو يطرده من ذاكرة التاريخ، فعلم التاريخ لا يعرف تجارة القطاعى والفرز حسب المزاج والإقصاء حسب الهوى، التاريخ لا يعرف برنامج «ما يطلبه المستمعون» أو «اخترنا لك». التاريخ كاميرا تصور وترصد كل ما فى الصورة ولا تنتقى ولا تعبأ بردود فعل، ولو كسرنا زاوية من هذه الكاميرا لن تلتقط صوراً من أصله، ما نفعله هراء وعبث تاريخى بداية من شطب صور سوزان مبارك من على أغلفة كتب مكتبة الأسرة التى صدرت قبل 2011 وانتهاء بحذف صور مبارك من احتفالات سيناء وكتب التاريخ فى المدارس، وليهاجم من يهاجم وليشتم من يشتم، فاحترام التاريخ فوق وقبل كل شىء، والطبطبة فى الكلام ومسك العصا من المنتصف والخوف والفزع من شبهة الفلولية كله صار كلاماً فارغاً أمام احترام أى تناول علمى جاد، خاصة لمجال مهم مثل مجال التاريخ، أرشيف التليفزيون لا بد أن يحتفظ بصور وفيديوهات مبارك ومرسى والعفريت الأزرق، التاريخ لم يغفل هتلر وموسولينى ونيرون والحجاج الثقفى مراعاة لمشاعر أو اتقاء لغضب أو راحة من وجع الدماغ، هل سنعود إلى نفس العقلية القمعية المرتعشة التى ظلت سنين تمسح صورة الملك فاروق من الأفلام القديمة بخطوط مرتعشة سوداء حتى أطل علينا فاروق بعدها بأكثر من خمسين سنة فى مسلسل جذاب عالى المستوى فنياً جعلنا نعرف فاروق أكثر وأكثر بل ونتعاطف معه فى بعض الأحيان ونضع أخطاءه فى سياقها وحجمها الطبيعى؟! هل سنعود إلى طمس أغانى أم كلثوم التى غنتها للملك ومنها أغنية يا ليلة العيد التى ألغى منها كوبليه «يا نيلنا ميّتك سكر وزرعك فى الغيطان نور يعيش فاروق ويتهنى ونحيى له ليالى العيد والليلة عيد ع الدنيا سعيد عز وتمجيد لك يا مليكى»؟! وأيضاً أغانى عبدالوهاب مثل أغنية الشباب التى غناها فى عيد ميلاد الملك فاروق والتى تقول: «ياللى آمال الشباب ترويها إيدك الليلة عيد الشباب، الليلة عيدك دعيت عيد شبابك قمت لبيته ميلادك ساحر جمالك قمت حبيتك من كتر غيرتى عليك فى القلب خبيتك وقلت لك يا فاروق القلب ده بيتك شبابك لمحة من الجنة تهنّى الروح وتسعدها وتاجك مصر تتهنى عليه الدنيا تحسدها وعيدك غنوه تتغنى وطول الليل ارددها واقول للفجر يستنى لفرح مصر يوم عيدها لفرح مصر يوم عيدها»؟! يا معالى الوزيرة المبجلة، تستطيعين أن تضحكى على مجلس الوزراء ومجلس الشعب ومجلس الشورى وعلى مجلس النشطاء ولكنك لا يمكن أن تضحكى على مجلس التاريخ وعلى هذا الحكيم العجوز الذى يجلس على وسادته ويمسك بريشته ليوثق الأحداث ويكتب التفاصيل والخفايا والخبايا.